Friday, January 19, 2007

الترمس

يالا الترمس...يظل صدي هذه العبارة بهذا الصوت الأنثوي الأجش يدوي في أذني كلما مررت بهذه السيدة العجوز التي تفترش ناصية الشارع كل يوم من بعد صلاه العصر إلي ما بعد صلاة العشاء
, بهذه الصينية الألومنيوم التي اتعجب من لمعانها الدائم كلما مررت عليها, أري وجهها الذي أشعر به يبتسم فيزيد من تجاعيده الكثيرة و الكئيبة,
اشعر بها و أحاول أن أعرف أي شىء عنها فلا أستطيع,
ربما خجلا,
و ربما بسبب الخوف من المجهول أو جرح مشاعرها,
فلا البث إلا أن ابتسم و أنا أتعجب من صبرها و عدم يأسها من الخروج بتلك الصينية اللامعة كل يوم,
ربما يكون خروجها كل يوم هو نوع من اليأس ذاته
و لكن في جميع الأحوال أعجب بها لأخذها بأسباب الرزق,
أوقات أراها و هي قادمة قبل افتراش الأرض أمام المحل الكبير و أتسائل أين يمكن أن تعيش؟؟ و هل مثلا لها عائلة؟؟ و ترى إذا كانت هي العائل لهم بهذه الصينية التي تحمل فوقها حبات الترمس؟؟
و أظل اتأملها بخطواتها البطيئة و أنا أفكر في تلك الاحتمالات بينما يدها اليمنى تسند (الجردل) فوق رأسها و من فوقه الصينية,
فتظهر بسبب رفعة يدها (الجلابية) الصفراء التي قليلا أو نادرا ما رأيتها تغيرها و تتحرك بسبب حركة يدها الطرحة الكحلي التي أكاد اجزم بأنها لا تستبدلها,
أراها و أشعر بنفسي أهرول ناحيتها لأخذ الحمولة عنها, فتبتسم و تقول لي في طيبة ورقة رغم صوتها الأجش(انشالله يخليك يارب) فأبتسم ثانية و أخذ يدها في يدي لتتكأ عليها و تظل ترفع باليد الأخرى (الجردل) فوق رأسها,
حتى اوصلها مجلسها علي ناصية الشارع و اسألها إن كانت في حاجة لشىء؟؟ تقول لي بنفس الطيبة و هي تملأ يدها ببعض حبات الترمس من فوق الصينية(خد اتسلى بقى) أضحك و اّخذ منها ملء يدها و أضع بدلا منها النقود القليلة جدا,
فتزيد ابتسامتها من تجاعيد وجهها و تقول( يارب ينجحك يارب) أو في مرات أخرى (يارب اشوفك عريس) فأعود للإبتسام و القي السلام و أذهب إلي حيث كنت ذاهب,
و ذات يوم فى طريق عودتي للمنزل من العمل و قد كنت مرهقا, وجدتها تبتسم فتجهمت رغما عني بسبب مشاكل العمل,
زادت ابتسامتها و هي تقول لي(مكشر ليه؟؟ يابنى ولا حاجة تستاهل, خدلك شوية ترمس لوز, اتسلى و متزعلش نفسك) أخذت منها حبات الترمس و أنا اتصنع الإبتسام و مددت يدي كالعادة أعطيها بعض النقود,
صدتنى قائلة (سايق عليك النبي دول هدية دي أخر مرة هاعمل فيها ترمس) ابتسم بالفعل هذه المرة و أشكرها,
و في المساء, اسمع جلبة و صوت بعض الأشخاص في الشارع أتطلع الأمر أجد زحاما أمام المحل الكبير التي تفترش الأرض امامه, اسأل ما الذي حدث,
يأتينى الجواب
فأدرك انها بالفعل اخر مرة تعمل فيها ترمس.

No comments: